آيت بوعلي: التنشئة الاجتماعية تعزز سلطة العرف أمام سلطة القانون
سوجار: التشهير والتضييق على الناشطات من مظاهر محاولة الإقصاء
المرزوقي: انتخابات 2026 ستكون حاسمة في الإقرار بدور المرأة وتمكينها سياسيا

خصص برنامج كافي بوليتيكو بشراكة مع المعهد المغربي لتحليل السياسات و جمعية سمسم-مشاركة مواطنة، حلقته الـ13 لمناقشة موضوع “النساء في الفضاء العام"، بُثت ليلة الجمعة 30 أبريل 2021، وذلك بمشاركة كل من السيدة سعيدة أيت علي، النائبة البرلمانية عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، ورئيسة لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، والسيدة سارة سوجار الناشطة النسائية، والسيد يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري.
في هذه الجلسة، قدم المشاركون في النقاش إشارات تأطيرية تهم رصد بعض الصور النمطية لأدوار المرأة في المجتمع والتي ما زالت تطبع المخيال الاجتماعي للمغاربة وما يقابلها من رموز تاريخية نسائية طبعت مجرى الأحداث. وحسب المشاركين في هذه الحلقة، فإن مقولات المخيال الاجتماعي هذه، تلعب دورا كبيرا في الحؤول دون حضور المرأة في الفضاء العام والاندماج فيه بصورة تمكنها من ممارسة الضغط والتأثير الطبيعيين، سواء تعلق الأمر بصناعة القرار السياسي أو صناعة الرأي العام.
فتأثير الحضور في الفضاء العام ينشأ عبر تفاعل الأفراد وحواراتهم الحرة والعقلانيّة مع بعضهم البعض في مسائل تهم الصالح العام، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مرجعياتهم المحتملة، ويمكن من خلاله أن يتم تشكيل ما يقترب من الرأي العام. ولو أن التاريخ سجل حضورا جدليا للمرأة في تفاعلها مع الفضاء العام، بل و سيطرتها عليه في بعض الأحيان حين يتعلق الأمر بنماذج استثنائية، فالواقع أن المخيال الاجتماعي المغربي، الذي هو جزء من هذا الفضاء العام، ما فتىء يرسخ تلك الصور النمطية التي تكرس الأدوار التقليدية للمرأة المغربية. فما تحقق للمرأة المغربية من إنجازات بفضل نضالات الحركة النسائية والحقوقية في الوقت الراهن يظل محدودا.
في مقابل هذه الصور النمطية لدور المرأة في المجتمع، تساهم الممارسة والثقافة السياسية السائدة في تعميق هذه التمثلات من خلال إقصاء وتغييب النساء من المشاركة والتمثيلية السياسية المرتبطة بصناعة القرار السياسي، وليست محصورة فقط في نسب الكوطا. وإجابة عن سؤال إقصاء المرأة في الفضاء العام، وما إذا كان يشمل ذلك فئات أخرى ، أشارت السيدة أيت أوعلي أن التنشئة الاجتماعية تعزز سلطة العرف أمام سلطة القانون. و هي بذلك تشير إلى تأثير هذه الأدوار النمطية التي أنيطت بالمرأة في إقصائها من المشهد السياسي. فتمثيلية النساء في البرلمان المغربي مثلا (20.5) عادة ما تكون من داخل لجان مؤقتة دون أن يكون لقراراتها تأثير ملموس، و ذلك راجع إلى طبيعة بنية السلطة السياسية التقليدية بالمغرب.
فإذا كانت التنشئة الإجتماعية، من جهة، تغذي المخيال الاجتماعي بهذه التمثلات النمطية لدور المرأة المغربية، فإن البنية السياسية المنغلقة التي تسم الفضاء السياسي المغربي لا تفتح المجال أمام بروز زعامات سياسية نسائية من شأنها أن تؤثر في القرار السياسي. بل كل ما هناك تمثيليات صورية تروج لقضية المرأة أكثر من أن تمكنها سياسيا. و تعتبر الأحزاب السياسية هي الأخرى امتدادا لهذه البنية المنغلقة التي لا توفر دائما فضاء يُمَكِّنُ المرأة من التدرج في المسار السياسي.
ويظهر الشيء نفسه مثلا على مستوى الإدارات العمومية حيث تتركز النساء بشكل خاص في أدنى مناصب المسؤولية دون أن تكون هناك إرادة سياسية فعلية من أجم تمكينها من مناصب الريادة و الزعامة و صناعة القرار. إذ أن أغلب المناصب المسؤولة تكون بتعيين مباشر، الشيء الذي يغيب معه الاستحقاق و التباري.
من المؤكد أن الدفع بوضعية المرأة وقضاياها المصيرية يستلزم إصلاحا سياسيا و قانونيا بالأساس. وقد عمل المغرب من خلال دستور 2011 على تأصيل و فصل مسألة المساواة بين الجنسين في إطار دولة الحق و القانون، إلا أن الإلتزام الجاد بالإصلاح القانوني الذي من شأنه أن يوجه و يؤطر دور و صورة المرأة في الفضاء العام يسير على وتيرة بطيئة. و بذلك تؤجل القضايا المصيرية للمرأة، و معها الديمقراطية، في خضم التحولات السياسية الكبرى التي يشهدها المغرب.
لقد دفع هذا الانسحاب القسري للمرأة المغربية من المشهد السياسي إلى بروز ديناميات نسوية جديدة تمكنت بفعل استعادتها للفضاء العام و انفتاحها على قنواته المتاحة (كمواقع التواصل الإجتماعي) من خلق بدائل أخرى لمفهوم المشاركة السياسية خارج البنيات التقليدية، و صنع آليات جديدة للحوار و التأثير في القرار السياسي. و حول سؤال محدودية دور المرأة في الفضاء العام على الرغم من الجهود الرسمية لتمكينها، بينت السيدة سوجار أن نوعا من الإقصاء غير المباشر ذلك الذي تتعرض له المرأة اليوم يمكن تسجيله، مثلا، من خلال قضايا اعتقال الصحفيات و الناشطات الحقوقيات أو التشهير بهن في مواقع التواصل الاجتماعي.
و الواضح أن صيرورة الإنتقال الديمقراطي الذي ظل مؤجلا لعقود هي ملازمة لقضية التمكين السياسي للمرأة ودورها الريادي في المجتمع. يظل ذلك ممكنا في حدود ما أسماه كانط بالإرادة الخيرة، التي هي أساسا إرادة سياسية تترجم الالتزام القانوني و الاخلاقي بوضعية المرأة و قضاياها المصيرية. ففي سياق استشراف مستقبل المشاركة السياسية للنساء في المغرب، اعتبر السيد المرزوقي أن انتخابات 2026 ستكون حاسمة في الإقرار بدور المرأة و تمكينها سياسيا، لاسيما و أن التوجهات الديمقراطية للنموذج التنموي الجديد توفر إطارا محفزا على تقوية المشاركة السياسية للمرأة.